الجوانب الخضراء من العاصمة الألمانية برلين


الطبيعة بدلا عن حياة الليل، والمنتزهات بدلا عن الحفلات. ما الذي يمنح سكان برلين الشعور بالحياة الحقيقية

الجوانب الخضراء من العاصمة الألمانية برلين

438740 تماما، ربما يكون هذا هو رقم الحظ السعيد في مدينة ليست كل أرقامها أرقاما سعيدة. هذا هو عدد الأشجار في مدينة برلين. ولأن إدارة العاصمة الألمانية تعمل جاهدة أكثر مما يتصور العديد من سكانها، فإنه قد تم إحصاء هذه الأشجار بدقة، وتوزيعها إلى لوائح، يمكن لكل إنسان الاطلاع عليها على الإنترنت. النوع الأكثر انتشارا هو أشجار الزيزفون، تليها أشجار القيقب ثم البلوط ثم الدلب والكستناء والبتولا والروبينيا. في منطقة كرويتسبيرج تنتصب في كل شارع وسطيا 89 شجرة، بمعدل شجرة كل 11 مترا، وفي شارلوتنبيرغ يبلغ المعدل 9 أمتار بين كل شجرتين. تقريبا كل زائر لمدينة برلين بين شهري نيسان/أبريل وتشرين الأول/أكتوبر يرى، يلاحظ بطريقة أو بأخرى، ما يستوقفه بشكل لا شعوري: “كم هي خضراء هذه المدينة”. ومن يعيش في برلين يدرك أن هذه العبارة أصدق تعبيرا عن مشاعر الحياة في برلين من حياة الليل والفن والموضة وغيرها من الأشياء، التي تشتهر بها المدينة… 

غالبا ما يكون شتاء برلين طويلا ورماديا، وينتهي عندما تنمو بواكير البراعم على الشجرة الظاهرة قبالة النافذة، أو عند زاوية الشارع المقابلة. من زار برلين قبل عودة الوحدة، أي قبل العام 1990، فأنه يدرك ما قيمة هذا الأمر. كانت الأشهر الباردة سابقا أكثر عتمة، يلفها السواد من غبار الفحم المتطاير من المداخن. وفي المدينة التي لم يكن لها ضواحي، كانت كل نبتة خضراء في غاية الأهمية. خضرة برلين هي جزء من تاريخ المدينة وحاضرها، ربما أقل أهمية من عمارتها القديمة والحديثة. في ساحة بوتسدام تنتصب شجرة دلب تمت زراعتها منذ أكثر من 160 عاما، عندما كان الحي منطقة فيلات فاخرة. لقد شهدت هذه الشجرة كيف انقسمت الساحة بعد الحرب العالمية الثانية، وانقسمت معها المدينة، وكيف تمخضت أكبر ورشة بناء في أوروبا في التسعينيات عن مركز حديث للمدينة يضم مركز سوني وبرج القطار وبرج كولهوف ومركز دايملر. ربما يلاحظ المرء التوتر على قمة هذه الشجرة، لما شاهدته عبر التاريخ.

لا تقع حديقة الحيوان في وسط المدينة تماما، ولكنها تعتبر رغم ذلك الرئة التي تتنفس منها المدينة. مساحة كبيرة رائعة من المروج والأشجار، تخترقها العديد من ممرات التنزه التي يمكن أن يتيه فيها المرء، ليحط الرحال – بشيء من الحظ – في واحد من أجمل المقاهي في برلين عند البحيرة الجديدة. يعود الفضل في إقامة حديقة الحيوان للملك الروسي فريدريش الكبير. فقد كلف المهندس المعماري بيتر يوزف لينة بوضع تصميم يحول المنطقة البرية إلى “منتزه للمتعة”. بمساحتها البالغة 210 هكتار تعتبر حديقة الحيوان في برلين ثاني أكبر منتزه من بين 3309 منتزهات وحدائق منتشرة في المدينة. ولا يتجاوزها من حيث المساحة سوى أرض مطار تمبلهوف السابق الخارج عن الخدمة حاليا. حيث تطير اليوم الطائرات الورقية الملونة فقط. مساحة هائلة في وسط المدينة، موضوعة تحت تصرف المواطنين ليقوموا هناك بكل ما يدخل السعادة إلى قلوبهم: لعب كرة القدم، التزلج، التنزه، إضافة إلى الشعور بالسعادة للفكرة الجميلة التي راودت القائمين على تطوير المدينة: المشاهدة والانتظار. ففي العام 2017 سوف يقام على هذه الأرض المعرض العالمي للحدائق. ويوجد مخططات تهدف إلى ضم ما تم تطويره وبناؤه على أرض المطار القديم إلى المخطط الجديد الشامل ودمجه فيه. اسم المشروع “حرية تمبلهوف”.

الحرية التي يراها سكان برلين في ظلال الأشجار، ليست دوما قضية كبيرة بالضرورة. كل حي من أحياء المدينة له مساحته الخضراء، حيث تنعكس خصوصية المكان على العشب الأخضر. في حديقة جورليتس في حي كرويتسبيرج تختلط رائحة شوي اللحم المنبعثة من الأسر التركية المتنزهة مع رائحة الأطعمة الألمانية، وفي منتزه مون بيجو في وسط المدينة تتدرب الأمهات الصغار على حياتهن الجديدة بلباس رياضي لكبار المصممين، وفي حديقة ماور في منطقة جبل برينسلاور طردت البوهيمية المبتكرة أرواح الماضي الشريرة. هناك، حيث كانت قديما المنطقة الحدودية الفاصلة، يلتقي الناس اليوم في سوق الأشياء المستعملة في كل يوم أحد في الهواء الطلق.

ربما بسبب طبيعة الشخصية البسيطة العفوية للعاصمة الألمانية ، لا يجد سكانها الراحة والاستجمام والهدوء على طرقات مرصوفة بدقة، في حدائق يحسب طول العشب فيها بالميليمتر. وإنما على ضفة قناة لاندفير، على شريط أخضر ضيق بين طرقات الدراجات والأسوار الإسمنتية، حيث تستلقي النسوة بثياب السباحة في الأيام المشمسة، وكأنهن على شواطئ البحر المتوسط.

الارتجال كان دوما من عناصر قوة وتميز برلين. لا عجب إذا في عدم وجود “أجمل مساحة خضراء جديدة في المدينة”. في كرويتسبيرغ، وبمبادرة خاصة أقيمت حديقة متنقلة خلال ثلاث سنوات، حيث كان المكان سابقا يعج بالقاذورات والغبار. واليوم ينمو الخس والخضراوات ذات النوعية الممتازة ويتم تصنيفها وتغليفها بمختلف أنواع مواد التغليف النظيفة في “حديقة الأميرات” على مساحة 6000 مترا مربعا، برعاية ومساهمة كل من يشاء المشاركة. أما مكافأة المساهمين في هذا العمل فهي الحصول على حسومات لدى شرائهم منتجات الحديقة، علاوة على أنهم يتعرفون هنا إلى أبناء الحي والجيران، الذين ما كانوا ليقابلونهم أبدا…

يسري عقد استئجار الأرض من البلدية حتى نهاية 2013. وفي أسوأ الأحول ربما يتوجب على النشطاء حمل مزروعاتهم وأفكارهم والبحث عن مكان آخر. ولكن التنقل المبدع الخلاق هو أيضا من سمات أهل برلين: من رقص قديما على شاطئ البحيرة، وطرد الفوضى من خلال تطلعه إلى إنشاء تجمع مكاتب حديث، سوف يستمر في عفويته الابتكارية نحو خليج روملسبيرغ. منذ منع شي اللحم في حديقة الحيوان، تتصاعد أعمدة الدخان من حقول تيمبلهوف. وحدها الأشجار، يجب أن تبقى هناك، حيث تنتصب منذ عشرات السنين. وعندما كان من المفترض أن تختفي في العام 2010 في منطقة جندرمنماركت الراقية 140 شجرة قيقب، من أجل تحسين منظر الكاتدرائية ودار الموسيقى، أطلق سكان برلين حملة جمع توقيعات مناهضة. وهكذا مازالت الأشجار منتصبة حتى اليوم، وتشارك في كتابة تاريخ المدينة.

مصدر النص:  المركز الألماني للإعلام (ألمانيا إنفو/ almania info)

يمكنك دائما كتابة رد أو تعليق